كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


تابع

واختلفت المعتزلة هل يجوز اليوم قلب الأسماء واللغة على ما هي عليه أم لا على مقالتين‏:‏ فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من أنكره‏.‏

واختلفت المعتزلة هل كان يجوز أن يسمي الله سبحانه نفسه جاهلاً ميتاً عاجزاً على طريق التقليب واللغة على ما هي عليه وهم فرقتان‏:‏ فزعمت الفرقة الأولى منهم أن ذلك لا يجوز وأنه لا يجوز أن يسمي الله نفسه على طريق التقليب‏.‏

وزعمت الفرقة الثانية منهم أن ذلك جائز ولو فعل ذلك لم يكن مستنكراً وهو قول الصالحي‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أن صفات الله سبحانه وأسماءه هي أقوال وكلام فقول الله أنه عالم قادر حي أسماء لله وصفات له وكذلك أقوال الخلق ولم يثبتوا صفة له علماً ولا صفة قدرة وكذلك قولهم في سائر صفات النفس‏.‏

واختلفت المعتزلة هل البارئ قادر على خلق الأعراض وهم فرقتان‏:‏ فزعم فريق منهم أن الله يقدر على خلق الأعراض وإنشائها وزعمت فرقة أخرى منهم وهم أصحاب معمر أنه لا يجوز أن يخلق الله عرضاً ولا يوصف بالقدرة على خلق الأعراض‏.‏

واختلفت المعتزلة في البارئ هل يوصف بالقدرة على ما أقدر عليه عباده أم لا وهم فرقتان‏:‏ وزعم بعضهم وهو الشحام أن الله يقدر على ما أقدر عليه عباده وأن حركة واحدة تكون مقدورة لله وللإنسان فإن فعلها الله كانت ضرورة وإن فعلها الإنسان كانت كسباً‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يوصف الله بالقدرة على جنس ما أقدر عليه عباده أم لا وهم فرقتان‏:‏ فزعمت فرقة منهم أنه إذا أقدر عباده على حركة أو سكون أو فعل من الأفعال لم يوصف بالقدرة على ذلك ولا على ما كان من جنس ذلك وأن الحركات التي يقدر البارئ عليها ليست من جنس الحركات التي أقدر عليها غيره من العباد‏.‏

وزعمت فرقة أخرى منهم أن الله إذا أقدر عباده على حركة أو سكون أو فعل من الأفعال فهو قادر على ما هو من جنس ما أقدر عليه عباده وهذا قول الجبائي وطوائف من المعتزلة‏.‏

واختلفت المعتزلة في البارئ سبحانه هل يوصف بالقدرة على الجور والظلم أم لا يوصف بالقدرة على ذلك وهم فرقتان‏:‏ فزعم أكثر الزاعمين أن البارئ قادر على الظلم والجور أنه قادر على أن يظلم ويجور‏.‏

وزعمت فرقة منهم وهم أصحاب عباد بن سليمان أن البارئ قادر على الظلم والجور ولا نقول على أن يظلم وهو قادر على الجور ولا نقول على أن يجور‏.‏

واختلفت المعتزلة في الجواب عمن سأل عن البارئ سبحانه لو فعل ما يقدر عليه من الظلم فقال أبو الهذيل في جواب من سأله‏:‏ إن فعل البارئ ما يقدر عليه من الجور والظلم كيف كان يكون الأمر فقال‏:‏ محال أن يفعل البارئ ذلك لأن ذلك لا يكون إلا عن نقص ولا يجوز النقص على البارئ‏.‏

وقال أبو موسى المردار في الجواب عن ذلك‏:‏ إطلاق هذا الكلام على البارئ عز وجل قبيح لا يستحسن إطلاقه في رجل من المسلمين فكيف يطلق في الله فمنع أن يقال‏:‏ لو فعل البارئ الظلم لقبح ذلك لا لاستحالته وكان أبو موسى إذا جدد الكلام عليه قال‏:‏ لو فعل الله الظلم لكان ظالماً رباً إلهاً قادراً ولو ظلم مع وجود الدلائل على أنه لا يظلم لكان يدل بدلائل على أنه يظلم‏.‏

وكان بشر المعتمر يقول أن الله يقدر أن يعذب الأطفال فإذا قيل له‏:‏ فلو عذب الطفل قال‏:‏ لو عذبه لكان يكون بالغاً كافراً مستحقاً للعذاب‏.‏

وكان محمد بن شبيب يزعم أن الله يقدر أن يظلم ولكن الظلم لا يكون إلا ممن به آفة فعلمت أنه لا يكون من الله سبحانه فلا معنى لقول من قال‏:‏ لو فعله‏.‏

وكان بعضهم يزعم أن الله يقدر أن يفعل العدل وخلافه والصدق وخلافه ولا يقول‏:‏ يقدر أن يظلم ويكذب قال صاحب هذا الجواب‏:‏ إن قال قائل‏:‏ هل معكم أمان من أن يفعله قال‏:‏ نعم هو ما أظهر من أدلته على أنه لا يفعله فإذا قيل له‏:‏ أفيقدر أن يفعله مع الدليل على أن لا يفعله أجاب بأنه قادر على أن يفعله مع الدليل مفرداً من الدليل لئلا يتوهم الدليل دليلاً والظلم واقعاً وكذلك إذا قيل له‏:‏ لو فعله مع الدليل على أنه لا يفعله وفعل الظلم وزعم أن الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها وكانت الأشياء التي يستدل بها أهل العقول غير هذه الأشياء الدالة في يومنا هذا وكانت تكون هي هي ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التي هي اليوم عليه وهذا قول جعفر بن حرب‏.‏

وكان الإسكافي يقول‏:‏ يقدر الله على الظلم إلا أن الأجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التي أنعم بها على خلقه على أن الله لا يظلم والعقول تدل بأنفسها على أن الله ليس بظالم وليس يجوز أن يجامع الظلم ما دل لنفسه على أن الظلم لا يقع من الله وكان إذا قيل له‏:‏ فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة قال‏:‏ يقع والأجسام معراة من العقول التي دلت بأنفسها وأعينها على أن الله لا يظلم‏.‏

وكان هشام الفوطي وعباد بن سليمان إذا قيل لهما‏:‏ لو فعل الله سبحانه الظلم كيف كانت تكون القصة أحالا هذا القول وقالا‏:‏ إن أراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في أن الله لا يظلم وإن أراد بقوله لو النفي فقد قال أن الله لا يجور ولا يظلم فليس يسوغ أن يقال لو ظلم القول في أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك على أربعة أقاويل‏:‏ فقال أبو الهذيل ومن اتبعه وجعفر بن حرب ومن وافقه‏:‏ البارئ قادر على ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون ولو كان ما علم أنه لا يكون مما يكون كان عالماً أنه يفعله لكان الخبر بأنه يكون سابقاً‏.‏

وكان علي الأسواري يحيل أن يقرن القول أن الله يقدر على الشيء أن يفعله بالقول أنه عالم أنه لا يكون وأنه قد أخبر أنه لا يكون وإذا أفرد أحد القولين من الآخر كان الكلام صحيحاً وقيل أن الله سبحانه قادر على ذلك الشيء أن يفعله‏.‏

وقال عباد بن سليمان‏:‏ ما علم أنه لا يكون لا أقول أنه قادر على أن يكون ولكن أقول‏:‏ قادر عليه كما أقول‏:‏ الله عالم به ولا أقول أنه عالم بأنه يكون لأن إخباري بأن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون إخبار أنه يقدر وأنه يكون وكان إذا قيل له‏:‏ فهل يفعل الله ما علم أنه لا يفعله أحال القول‏.‏

وكان الجبائي إذا قيل له‏:‏ لو فعل القديم ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر أحال ذلك وكان يقول مع هذا أنه لو آمن من علم الله أنه لا يؤمن لأدخله الجنة وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله‏:‏ ‏"‏ لو آمن الإنسان لأدخله الله الجنة وإنما الإيمان خير له ولو ردوا لعادوا ‏"‏ فالرد مقدور عليه فقال‏:‏ لو كان الرد مقدوراً منهم لكان عود مقدور وكان يزعم أنه إذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل‏:‏ لو كان الجسم متحركاً ساكناً في حال لجاز أن يكون حياً ميتاً في حال وما أشبه ذلك وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام كقول القائل‏:‏ لو آمن من علم الله وأخبر أنه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر وذلك أنه إن قال‏:‏ كان لا يكون الخبر عن أنه يؤمن سابقاً بأن لا يكون كان الخبر الذي قد كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالماً استحال الكلام لأنه يستحيل أن لا يكون ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل أن لا يكون البارئ عالماً بما لم يزل عالماً به بأن لا يكون لم يزل عالماً وإن قال‏:‏ كان يكون الخبر عن أنه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتاً صحيحاً وإن كان الشيء الذي علم وأخبر أنه لا يكون استحال الكلام وإن قال‏:‏ كان الصدق ينقلب كذباً والعلم ينقلب جهلاً استحال الكلام فلما كان المجيب على هذه الوجوه على أي وجه أجاب عن السؤال استحال كلامه لم يكن الوجه في الجواب إلا نفس إحالة سؤال السائل‏.‏

واختلفت المعتزلة في جواز كون ما علم الله أنه لا يكون على أربعة أقاويل‏:‏ فقال أكثر المعتزلة‏:‏ ما علم الله سبحانه أنه لا يكون لاستحالته أو العجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه ومن قال‏:‏ يجوز أن يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القدرة عليه فيكون الله عالماً بأنه يكون يذهب هذا القائل بقوله يجوز إلى أن الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله سبحانه أنه لا يكون لترك فاعله له فمن قال‏:‏ يجوز أن يكون بأن لا يتركه فاعله ويفعل آخذه بدلاً من تركه ويكون الله عالماً بأنه يفعله يريد بقوله يجوز يقدر فذلك صحيح‏.‏

وقال علي الأسواري‏:‏ ما علم الله سبحانه أنه لا يكون لم نقل أنه يجوز أن يكون إذا قرنا ذلك بالعلم بأنه لا يكون‏.‏

وقال عباد‏:‏ قول من قال يجوز أن يكون ما علم الله سبحانه أنه لا يكون فهو كقوله‏:‏ يكون ما علم الله أنه لا يكون أو من قال‏:‏ يجوز أن يكون ما علم الله أنه لا يكون لأن معنى يجوز عنده معنى الجواز‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ ما علم الله سبحانه أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون فلا يجوز أن يكون عند من صدق بأخبار الله وما علم أنه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا أن يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في أن يكون أو لا يكون لأن يجوز عنده في اللغة على وجهين‏:‏ بمعنى الشك وبمعنى يحل‏.‏

واتفقت المعتزلة على أن البارئ سبحانه ليس بذي علم محدث يعلم به ولا يجوز أن تبدو له البدوات ولا يجوز على أخباره النسخ لأن النسخ لو جاز على الأخبار لكان إذا أخبرنا أن شيئاً يكون ثم نسخ ذلك بأن أخبر أنه لا يكون لكان لا بد من أن يكون أحد الخبرين كذباً قالوا‏:‏ وإنما الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي‏.‏

وأجمعت المعتزلة على إنكار القول بالماهية وأن لله ماهية لا يعلمها العباد وقالوا‏:‏ اعتقاد ذلك في الله سبحانه خطأ وباطل‏.‏

هذا شرح اختلاف الناس في التجسيم قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون أن البارئ جل ثناؤه ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية ونحن الآن نخبر أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم‏.‏

اختلفت المجسمة فيما بينهم في التجسيم وهل للبارئ تعالى قدر من الأقدار وفي مقداره على ست عشرة مقالة‏:‏ فقال هشام بن الحكم أن الله جسم محدود عريض عميق طويل طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه نور ساطع له قدر من الأقدار بمعنى أن له مقداراً في طوله وعرضه وعمقه لا يتجاوزه في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو نفسه لون ولم يثبت لوناً غيره وأنه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد وحكى عنه أبو الهذيل أنه أجابه إلى أن جبل أبي قبيس أعظم من معبوده وحكى عنه ابن الراوندي أنه زعم أن الله سبحانه يشبه الأجسام التي خلقها من جهة من الجهات ولولا ذلك ما دلت عليه وحكي عنه أنه قال‏:‏ هو جسم لا كالأجسام ومعنى ذلك أنه شيء موجود‏.‏

وقد ذكر عن بعض المجسمة أنه كان يثبت البارئ ملوناً ويأبى أن يكون ذا طعم ورائحة ومجسة وأن يكون طويلاً وعريضاً وعميقاً وزعم أنه في مكان دون مكان متحرك من وقت خلق الخلق‏.‏

وقال قائلون أن البارئ جسم وأنكروا أن يكون موصوفاً بلون أو طعم أو رائحة أو مجسة أو شيء مما وصف به هشام غير أنه على العرش مماس له دون ما سواه‏.‏

واختلفوا في مقدار البارئ بعد أن جعلوه جسماً‏:‏ فقال قائلون‏:‏ هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه غير أن مساحته أكثر من مساحة العالم لأنه أكبر من كل شيء‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ مساحته على قدر العالم وقال بعضهم أن البارئ جسم له مقدار في المساحة وقال بعضهم‏:‏ هو في أحسن الأقدار وأحسن الأقدار أن يكون ليس بالعظيم الجافي ولا القليل القميء وحكي عن هشام بن الحكم أن أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار بشبر نفسه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليس لمساحة البارئ نهاية ولا غاية وأنه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والأمام والخلف والفوق والتحت‏.‏

قالوا‏:‏ وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا هيئة ولا قطب‏.‏

وقال قوم أن معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الأشياء فيه ليس بذي غاية ولا نهاية وقال بعضهم‏:‏ هو الفضاء وليس بجسم والأشياء قائمة به‏.‏

وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان أن الله جسم وأنه جثة على صورة الإنسان لحم وذم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه وحكي عن الجواربي أنه كان يقول‏:‏ أجوف من فيه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك وكثير من الناس يقولون‏:‏ هو مصمت ويتأولون قول الله‏:‏ ‏"‏ الصمد ‏"‏ المصمت الذي ليس بأجوف‏.‏

وقال هشام بن سالم الجواليقي أن الله على صورة الإنسان وأنكر أن يكون لحماً ودماً وأنه نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان سمعه غير بصره وكذلك سائر حواسه له يد ورجل وأذن وعين وأنف وفم وأن له وفرة سوداء‏.‏

وممن قال بالصورة من ينكر أن يكون البارئ جسماً وممن قال بالتجسيم من ينكر أن يكون البارئ صورة‏.‏

باب اختلافهم في البارئ هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان أم في كل مكان وهل تحمله الحملة أم يحمله العرش وهل هم ثمانية أملاك أم ثمانية أصناف من الملائكة اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة‏:‏ قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال أنه في كل مكان حال وقول من قال‏:‏ لا نهاية له وأن هاتين الفرقتين أنكرتا القول أنه في مكان دون مكان‏.‏

وقال قائلون‏:‏ هو جسم خارج من جميع صفات الجسم ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسة ولا شيء من صفات الأجسام وأنه ليس في الأشياء ولا على العرش إلا على معنى أنه فوقه غير مماس له وأنه فوق الأشياء وفوق العرش ليس بينه وبين الأشياء أكثر من أنه فوقها‏.‏

وقال هشام بن الحكم أن ربه في مكان دون مكان وأن مكانه هو العرش وأنه مماس للعرش وأن وقال بعض أصحابه أن البارئ قد ملأ العرش وأنه مماس له‏.‏

وقال بعض من ينتحل الحديث أن العرش لم يمتلئ به وأنه يقعد نبيه عليه السلام معه على العرش‏.‏

وقال أهل السنة وأصحاب الحديث‏:‏ ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على العرش كما قال عز وجل‏:‏ ‏"‏ الرحمن على العرش استوى ‏"‏ ولا نقدم بين يدي الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وأنه نور كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏ الله نور السماوات والأرض ‏"‏ وأن له وجهاً كما قال الله‏:‏ ‏"‏ ويبقى وجه ربك ‏"‏ وأن له يدين كما قال‏:‏ ‏"‏ خلقت بيدي ‏"‏ وأن له عينين كما قال‏:‏ ‏"‏ تجري بأعيننا ‏"‏ وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال‏:‏ ‏"‏ وجاء ربك والملك صفاً صفاً ‏"‏ وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقالت المعتزلة أن الله استوى على عرشه بمعنى استولى‏.‏

وقال بعض الناس‏:‏ الاستواء القعود والتمكن‏.‏

واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الحملة تحمل البارئ وأنه إذا غضب ثقل على كواهلهم وإذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل وقال بعضهم‏:‏ ليس يثقل البارئ ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل وتحمله الحملة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الحملة ثمانية أملاك وقال بعضهم‏:‏ ثمانية أصناف وقال قائلون أنه على العرش وأنه بائن منه لا بعزلة وإشغال لمكان غيره بل ببينونة ليس على العزلة والبينونة من صفات الذات‏.‏

القول في المكان‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون‏:‏ إن الله بكل مكان بمعنى أنه مدبر لكل مكان وقال قائلون‏:‏ البارئ لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وقال قائلون‏:‏ البارئ في كل مكان بمعنى أنه حافظ للأماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان‏.‏

واختلفوا هل يقال أن البارئ لم يزل عالماً قادراً حياً أم لا يقال ذلك على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لم يزل الله عالماً قادراً حياً‏.‏

وزعم كثير من المجسمة أن البارئ كان قبل أن يخلق الخلق ليس بعالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا مريد ثم أراد وإرادته عندهم حركته فإذا أراد كون شيء تحرك فكان الشيء لأن معنى أراد تحرك وليست الحركة غيره وكذلك قالوا في قدرته وعلمه وسمعه وبصره أنها معان وليست غيره وليست بشيء لأن الشيء هو الجسم‏.‏

واختلف القائلون أن البارئ يتحرك على مقالتين‏:‏ فزعم هشام أن حركة البارئ هي فعله الشيء وكان يأبى أن يكون البارئ يزول مع قوله يتحرك‏.‏

وأجاز عليه السكاك الزوال وقال‏:‏ لا يجوز عليه الطفر‏.‏

وحكي عن رجل كان يعرف بأبي شعيب أن البارئ يسر بطاعة أوليائه وينتفع بها وبإنابتهم ويلحقه العجز بمعاصيهم إياه تعالى عن ذلك علواً كبيراً‏.‏

واختلفوا في رؤية البارئ بالأبصار على تسع عشرة مقالة‏:‏ فقال قائلون‏:‏ يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات‏.‏

وأجاز عليه بعضهم الحلول في الأجسام وأصحاب الحلول إذا رأوا إنساناً يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه‏.‏

وأجاز كثير مما أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم وقالوا أن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك حكي ذلك عن بعض أصحاب مضر وكهمس‏.‏

وحكي عن أصحاب عبد الواحد بن زيد أنهم كانوا يقولون أن الله سبحانه يرى على قدر وقد قال قائلون إنا نرى الله في الدنيا في النوم فأما في اليقظة فلا وروي عن رقبة بن مصقلة أنه قال‏:‏ رأيت رب العزة في النوم فقال‏:‏ لأكرمن مثواه يعني سليمان التيمي صلى الفجر بطهر العشاء أربعين سنة‏.‏

وامتنع كثير من القول أنه يرى في الدنيا ومن سائر ما أطلقوه وقالوا أنه يرى في الآخرة‏.‏

واختلفوا أيضاً في ضرب آخر‏:‏ فقال قائلون نرى جسماً محدوداً مقابلاً لنا في مكان دون مكان‏.‏

وقال زهير الأثري‏:‏ ذات الله عز وجل في كل مكان وهو مستو على عرشه ونحن نراه في الآخرة على عرشه بلا كيف وكان يقول أن الله يجيء يوم القيامة إلى مكان لم يكن خالياً منه وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ولم تكن خالية منه‏.‏

واختلفوا في رؤية الله عز وجل بالأبصار هل هي إدراك له بالأبصار أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ هي إدراك له بالأبصار وهو يدرك بالأبصار‏.‏

وقال قائلون‏:‏ يرى الله سبحانه بالأبصار ولا يدرك بالأبصار‏.‏

واختلفوا في ضرب آخر‏:‏ فقال قائلون‏:‏ نرى الله جهرة ومعاينة وقال قائلون‏:‏ لا نرى الله جهرة ولا معاينة‏.‏

وقال قائلون منهم ضرار وحفص الفرد أن الله لا يرى بالأبصار ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها وندرك ما هو بتلك الحاسة‏.‏

وقالت البكرية أن الله يخلق صورة يوم القيامة يرى فيها ويكلم خلقه منها‏.‏

وقال الحسين النجار أنه يجوز أن يحول الله العين إلى القلب ويجعل لها قوة العلم فيعلم بها ويكون ذلك العلم رؤية له أي علماً له‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب‏:‏ فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة أن الله يرى بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بها وأنكر ذلك الفوطي وعباد‏.‏

وقالت المعتزلة والخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية أن الله لا يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة ولا يجوز ذلك عليه‏.‏

واختلفوا في الرؤية لله بالأبصار هل يجوز أن تكون أو هي كائنة لا محالة على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ يجوز أن يرى الله سبحانه في الآخرة بالأبصار وقال‏:‏ نقول أنه بتاتاً وقال‏:‏ نقول أنه يرى بالأبصار‏.‏

وقال قائلون‏:‏ نقول بالأخبار المروية وبما في القرآن أنه يرى بالأبصار في الآخرة بتاتاً يراه المؤمنون‏.‏

واختلفوا في العين واليد والوجه على أربع مقالات‏:‏ فقالت المجسمة‏:‏ له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب يذهبون إلى الجوارح والأعضاء‏.‏

وقال أصحاب الحديث‏:‏ لسنا نقول في ذلك إلا ما قاله الله عز وجل أو جاءت به الرواية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول‏:‏ وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف‏.‏

وقال عبد الله بن كلاب‏:‏ أطلق اليد والعين والوجه خبراً لأن الله أطلق ذلك ولا أطلق غيره فأقول‏:‏ هي صفات لله عز وجل كما قال في العلم والقدرة والحياة أنها صفات‏.‏

وقالت المعتزلة بإنكار ذلك إلا الوجه وتأولت اليد بمعنى النعمة وقوله‏:‏ ‏"‏ تجري بأعيننا ‏"‏ أي بعلمنا والجنب بمعنى الأمر وقالوا في قوله‏:‏ ‏"‏ أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ‏"‏ أي في أمر الله وقالوا‏:‏ نفس البارئ هي هو وكذلك ذاته هي هو وتأولوا قوله‏:‏ ‏"‏ الصمد ‏"‏ على وجهين‏:‏ أحدهما أنه السيد والآخر أنه المقصود إليه في الحوائج‏.‏

وأما الوجه فإن المعتزلة قالت فيه قولين‏:‏ قال بعضهم وهو أبو الهذيل‏:‏ وجه الله هو الله وقال غيره‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏"‏ ويبقى وجه ربك ‏"‏ ويبقى ربك من غير أن يكون يثبت وجهاً يقال أنه هو الله ولا يقال ذلك فيه‏.‏

حكايات اختلاف الناس في الأسماء والصفات‏:‏ قد ذكرنا قول من قال أن الله لم يزل لا عالماً ولا قادراً ولا سميعاً ولا بصيراً وقول من قال لم يزل الله عالماً قادراً حياً‏.‏

فأما الذين أنكروا أن يكون الله لم يزل عالماً وقالوا‏:‏ لا يعلم ما يكون قبل أن يكون فإنهم افترقوا في القول لم يزل حياً فرقتين‏:‏ فرقة قالت‏:‏ لم يزل الله حياً وفرقة أنكرت ذلك أيضاً وأنكرت أن يكون الله سبحانه لم يزل رباً إلهاً‏.‏

وافترق الذين قالوا أن الله لا يعلم الشيء حتى يكون على خمس عشرة مقالة‏:‏ فقالت السكاكية أن الله عالم في نفسه وأن الوصف له بالعلم من صفات ذاته غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس‏.‏

وقال فريق آخر أن الله لم يزل عالماً والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال‏:‏ الإنسان عاقل ولا يقال‏:‏ عقل الشيء ما لم يرد عليه‏.‏

وقال شيطان الطاق أن الله لا يعلم شيئاً حتى يؤثر أثره ويقدره والتأثير عندهم التقدير والتقدير لإرادة فإذا أراد الشيء فقد علمه وإذا لم يرد فلم يعلمه ومعنى أراده عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك تلك الحركة علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يعلم الشيء حتى يحدث الإرادة فإن أحدث الإرادة لأن يكون كان عالماً بأنه يكون وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالماً بأنه لا يكون وإن لم يحدث إرادة لأن يكون ولا إرادة لأن لا يكون لم يكن عالماً بأنه يكون ولا عالماً بأنه لا يكون‏.‏

ومن الروافض من يقول‏:‏ معنى أن الله يعلم معنى أنه يفعل فإن قيل لهم فلم يزل عالماً بنفسه قال بعضهم‏:‏ لم يكن يعلم نفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل وقال بعضهم‏:‏ لم يزل يعلم نفسه فإن قيل لهم‏:‏ فلم يزل يفعل قالوا‏:‏ نعم ولم يقولوا بقدم الفعل‏.‏

ومن الروافض من يقول أن الله تبدو له البدوات وأنه يريد أن يفعل ثم لا يفعل لما يحدث له من البداء‏.‏

وقال بعض الروافض‏:‏ ما علمه الله سبحانه أنه يكون وأطلع عليه أحداً من خلقه فلا يجوز أن يبدو له فيه وما علمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز أن يبدو له فيه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ جائز عليه البدء فيما علم أنه يكون وأخبر أنه يكون حتى لا يكون ما أخبر أنه وقالت طائفة من أهل التشبيه أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يطيع ممن يعصي حال بين العاصي وبين المعصية‏.‏

واختلفوا أيضاً في باب آخر هل يعلم الشيء من غير أن يلابسه أم لا‏:‏ فقال هشام بن الحكم الرافضي أن الله سبحانه علم ما تحت الأرض بالشعاع المتصل الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما هناك بشعاعه ما دري ما هناك‏.‏

وقال قائلون أن الله يعلم الأشياء على المماسة وقد يعلم ما لا يماسه‏.‏

وحكي عن هشام بن الحكم أنه قال أن العلم صفة لله وليس هي هو ولا غيره ولا بعضه وأنه لا يجوز أن يقال له محدث ولا يقال له قديم لأن الصفة لا توصف عنده وكذلك قوله في سائر صفاته من القدرة والإرادة والحياة وسائر ذلك أنها لا هي الله ولا هي غيره ولا هي قديمة ولا محدثة‏.‏

وقال الجهم أن علم الله محدث هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله وقد يجوز عنده أن يكون الله عز وجل عالماً بالأشياء كلها قبل وجودها بعلم محدث بها وحكي عن الجهم خلاف هذا وأنه كان لا يقول أن الله يعلم الأشياء قبل أن تكون لأنها قبل أن تكون ليست بأشياء فتعلم أو تجهل وألزمه مخالفوه أن لله سبحانه علماً محدثاً‏.‏

اختلفت المعتزلة في محكم القرآن ومتشابهه‏:‏ فقال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد‏:‏ المحكمات ما أعلم الله سبحانه من عقابه للفساق كقوله‏:‏ ‏"‏ ومن يقتل مؤمناً متعمداً ‏"‏ وما أشبه ذلك من آي الوعيد وقوله‏:‏ ‏"‏ وأخر متشابهات ‏"‏ يقول‏:‏ أخفى الله عن العباد عقابه عليها ولم يبين أنه يعذب عليها كما بين في المحكم منه‏.‏

وقال أبو بكر الأصم‏:‏ محكمات يعني حججاً واضحة لا حاجة لمن يتعمد إلى طلب معانيها كنحو ما أخبر الله سبحانه عن الأمم التي مضت ممن عاقبها وما يثبت عقابها وكنحو ما أخبر عن مشركي العرب أنه خلقهم من النطفة وأنه أخرج لهم من الماء فاكهة وأباً وما أشبه ذلك فهذا محكم كله فقال‏:‏ قال الله سبحانه‏:‏ ‏"‏ آيات محكمات هن أم الكتاب ‏"‏ أي الأصل الذي لو فكرتم فيه عرفتم أن كل شيء جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم حق من عند الله سبحانه وأخر متشابهات وهو كنحو ما أنزل الله من أنه يبعث الأموات ويأتي بالساعة وينتقم ممن عصاه أو ترك آية أو نسخها مما لا يدركونه إلا شبهة حتى يكون منهم النظر فيعلمون أن لله أن يعذبهم متى شاء وينقلهم إلى ما شاء‏.‏

وقال الإسكافي في قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ آيات محكمات ‏"‏ قال‏:‏ هي التي لا تأويل لها غير تنزيلها ولا يحتمل ظاهرها الوجوه المختلفة وأخر متشابهات وهي الآيات التي يحتمل ظاهرها في السمع وذهب بعض الناس في قوله‏:‏ ‏"‏ وأخر متشابهات ‏"‏ إلى ما اشتبه على اليهود من قول الله عز وجل ألم وألمر وألر وألمص‏.‏

وذهب بعضهم إلى اشتباه القصص التي في القرآن‏.‏

واختلفوا في تأويل قوله‏:‏ ‏"‏ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ‏"‏‏:‏ فقال قائلون‏:‏ ليس يعلم تأويل المتشابه إلا الله ولم يطلع عليه أحداً‏.‏

وقال قائلون‏:‏ قد يعلمه الراسخون في العلم وأن هذا القول عطف واحتجوا بقول الشاعر‏:‏ لريح يبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه قالوا‏:‏ فالبرق معطوف على الريح‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أن قراءة القرآن غير المقروء واختلفوا هل القراءة حكاية للقرآن أم لا‏:‏ فمنهم من قال‏:‏ هي حكاية ومنهم من قال‏:‏ لا‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يلفظ القرآن أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ يلفظ به كما يقرأ وقال الإسكافي‏:‏ لا يجوز ذلك بل يقرأ القرآن ولا يلفظ به‏.‏

واختلفوا في نظم القرآن هل هو معجز أم لا على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقالت المعتزلة إلا النظام وهشاماً الفوطي وعباد بن سليمان‏:‏ تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقال النظام‏:‏ الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم‏.‏

وقال هشام وعباد‏:‏ لا نقول أن شيئاً من الأعراض يدل على الله سبحانه ولا نقول أيضاً أن عرضاً يدل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعلا القرآن علماً للنبي صلى الله عليه وسلم وزعما أن القرآن أعراض‏.‏

وأجمعت المعتزلة بأجمعها أنه لا يجوز قول النبي إلا بحجة وبرهان وأنه لا تلزم شرائعه إلا من شاهد أعلامه وانقطع عذره ممن بلغه شرائع الرسول صلى الله عليه وسلم وأجمعوا جميعاً أن الناس محجوجون بعقولهم من بلغه خبر الرسول ومن لم يبلغه‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يبعث الله نبياً يكفر ويرتكب كبيرة ولا يجوز أن يبعث نبياً كان كافراً أو فاسقاً وأجمعت المعتزلة على أنه جائز أن يبعث نبياً إلى قوم دون قوم وأجمعت أن الملائكة أفضل من الأنبياء‏.‏

وأجمعت أن معاصي الأنبياء لا تكون إلا صغاراً واختلفوا هل يجوز أن يأتي النبي المعاصي وهل يعلم أنها معاص في حال ارتكابها أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لا يجوز أن يعلم في حال ارتكابه المعاصي أن ما يأتيه معصية ويعتمد ذلك‏.‏

واختلفوا في دلالة الأعراض وأفعال العباد على مقالتين‏:‏ فمنهم من زعم أنها تدل على حدوث الجسم وأبي هشام وعباد أن يكون ذلك يدل على الله عز وجل‏.‏

واختلفت المعتزلة هل النبوة جزاء أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ هي ثواب وجزاء وقال قائلون‏:‏ ليست بجزاء ولا ثواب‏.‏

وهذا شرح قول المعتزلة في القدر‏:‏ أجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لم يخلق الكفر والمعاصي ولا شيئاً من أفعال غيره إلا رجلاً منهم فإنه زعم أن الله خلقها بأن خلق أسماءها وأحكامها حكي ذلك عن صالح قبة‏.‏

وأجمعت المعتزلة إلا عباداً أن الله جعل الإيمان حسناً والكفر قبيحاً ومعنى ذلك أنه جعل التسمية للإيمان والحكم بأنه أحسن والتسمية للكفر والحكم بأنه قبيح وأن الله خلق الكافر لا كافراً ثم إنه كفر وكذلك المؤمن‏.‏

وأنكر عبا أن يكون الله جعل الكفر على وجه من الوجوه أو خلق الكافر والمؤمن‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الإنسان يخلق فعله أم لا على ثلاث مقالات‏:‏ فزعم بعضهم أن معنى فاعل وخالق واحد وأنا لا نطلق ذلك في الإنسان لأنا منعنا منه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ معنى خالق أنه وقع منه الفعل مقدراً فكل من وقع فعله مقدراً فهو خالق له قديماً كان أو محدثاً‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لم يرد المعاصي إلا المردار فإنه حكي عنه أنه قال أن الله أرادها بأن خلى بين العباد وبينها وقد ذكرنا اختلافهم في الإرادة فيما تقدم من وصفنا لأقاويل المعتزلة‏.‏

وهذا شرح اختلاف المعتزلة في الاستطاعة‏:‏ اختلفوا هل الإنسان حي مستطيع بنفسه أم لا على مقالتين‏:‏ فزعم النظام وعلي الأسواري أن الإنسان حي مستطيع بنفسه لا بحياة واستطاعة هما غيره والإنسان عند النظام هو الروح وهو جسم لطيف مداخل لهذا الجسم الكثيف وزعم أن الإنسان لا يجوز أن يكون مستطيعاً لنفسه لما من شأنه أن يفعله حتى تحدث به آفة والآفة هي العجز وهي غير الإنسان وكان النظام يزعم أن الإنسان قادر على الشيء قبل كونه وأنه لا يوصف بأنه قادر عليه في حال وجوده‏.‏

وقال قائلون أن الإنسان حي مستطيع والحياة والاستطاعة هما غيره وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وهشام الفوطي وأكثر المعتزلة‏.‏

فقال أبو الهذيل ومعمر والمردار‏:‏ هي عرض وهي غير الصحة والسلامة‏.‏

وقال بشر بن المعتمر وثمامة بن أشرس وغيلان أن الاستطاعة هي السلامة وصحة الجوارح وتخليها من الآفات‏.‏

واختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين‏:‏ فقال أكثر المعتزلة أنها تبقى وهذا قول أبي الهذيل وهشام وعباد وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والإسكافي وأكثر المعتزلة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا تبقى وقتين وأنه يستحيل بقاؤها وأن الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدمة المعدومة ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز بل يخلق الله في الوقت الثاني قدرة فيكون الفعل واقعاً بالقدرة المتقدمة وهذا قول أبي القاسم البلخي وغيره من المعتزلة‏.‏

وهذا قولهم في الفعل المباشر فأما المتولد فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه ميتاً أو عاجزاً‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أن الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرة عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل وأنكروا بأجمعهم أن يكلف الله عبداً ما لا يقدر عليه‏.‏

وقال بعض المتأخرين ممن كان ينتحل المعتزلة‏:‏ القدرة مع الفعل وهي تصلح للشيء وتركه في حال حدوثها وجائز كون الشيء في حال وجود تركه بأن لا يكون كان فتركه وهذا قول ابن الراوندي‏.‏

واختلفوا هل هي قدرة عليه في حاله‏:‏ فزعم بعضهم أنها قدرة عليه في حاله لا على تركه وأنها قبله قدرة عليه وعلى تركه وهذا قول أبي الحسين الصالحي وأحال أكثر المعتزلة أن تكون قدرة عليه في حاله على وجه من الوجوه‏.‏

واختلفوا إذا فعل الإنسان أحد الضدين اللذين كان يقدر عليهما قبل كون أحدهما هل يوصف بالقدرة على الضد الذي لم يفعله أم لا على مقالتين‏:‏ فقال أكثر المعتزلة‏:‏ إذا وجد أحد الضدين استحال أن يوصف الإنسان بالقدرة عليه أو على الضد الآخر‏.‏

وقال رجل منهم وهو الإسكافي‏:‏ إذا وجد أحد الضدين لم يوصف الإنسان بالقدرة عليه ولكن يوصف بالقدرة على ضده الآخر‏.‏

واختلفوا في الاستطاعة هل يجوز فناؤها في الوقت الثاني فيكون الفعل المباشر الذي يفعله الإنسان في نفسه وأنه بقدرة معدومة على أربعة أقاويل‏:‏ فقال أبو الهذيل‏:‏ الاستطاعة يحتاج إليها قبل الفعل فإذا وجد الفعل لم يكن بالإنسان حاجة بوجه من الوجوه وقد يجوز وقوع العجز في الوقت الثاني فيكون مجامعاً للفعل ويكون عجزاً عن فعل لأن العجز عنده لا يكون عجزاً عن موجود فيكون الفعل واقعاً بقدرة معدومة وجوز وجود أقل قليل الكلام مع الخرس وجوز الفعل مع الموت بالاستطاعة المتقدمة ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا وجود الإرادة مع الموت‏.‏

وقال أكثر المعتزلة‏:‏ ليس يحتاج إلى الاستطاعة للفعل في حال وجوده ليفعل بها ما قد فعل ولكن يحتاج إليها لأنه محال وجود الفعل في جارحة ميتة عاجزة وقال هؤلاء‏:‏ محال وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة وأجازوا وقوع الأفعال المتولدة كنحو ذهاب الحجر بعد الدفعة وانحدار الحجر بعد الزجة بقدرة معدومة وهذا قول جعفر بن حرب والإسكافي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ جائز وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة لأن القدرة لا تبقى ولكن لا توجد في جارحة ميتة ولا عاجزة وهذا قول أبي القاسم البلخي وغيره‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يجوز وقوع الفعل بقوة معدومة وأن القوة يحتاج إليها في حال الفعل للفعل وأنها إن كانت قوة عليه قبله وعلى تركه فهي قوة عليه في حال كون تركه وأنكر قائل هذا أن يكون الإنسان يفعل فعلاً على طريق التولد وهذا قول أبي الحسين الصالحي‏.‏

وقال بعض من مال إلى هذا القول أن الإنسان قادر عليه في حاله وعلى تركه بدلاً منه‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يقال الإنسان قادر في الأول أن يفعل فيه أو أن يفعل في الثاني على سبعة أقاويل‏:‏ فقال أبو الهذيل‏:‏ الإنسان قادر أن يفعل في الأول وهو يفعل في الأول والفعل واقع في الثاني لأن الوقت الأول وقت يفعل والوقت الثاني وقت فعل‏.‏

وحكي عن بشر بن المعتمر أنه كان يقول‏:‏ لا أقول يفعل في الأول ولا أقول يفعل في الثاني ولا أقول قادر أن يفعل في الأول ولا أقول قادر أن يفعل في الثاني وذكر القدرة مضمر مقدور عليه يستحيل كونه مع القدرة عليه وذكر العجز مضمر معجوز عنه يستحيل كونه مع العجز عنه ولسنا نقول أيضاً عاجز في الأول أن يفعل في الأول أو أن يفعل في الثاني‏.‏

وقال النظام وأكثر المعتزلة أن الإنسان قادر في الوقت الأول أن يفعل في الوقت الثاني وأنه يقال قبل كون الوقت الثاني أن الفعل يفعل في الوقت الثاني فإذا كان الوقت الثاني قد فعل فالذي قيل يفعل في الثاني قبل كون الثاني هو الذي قيل فعل في الثاني إذا حدث الوقت الثاني‏.‏

واختلف هؤلاء فقال قائلون منهم أن الإنسان يقدر في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية فإذا حل العجز في الحال الثانية علمنا أنه لم يكن قادراً في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية‏.‏

وقال أكثرهم أن الإنسان قادر أن يفعل في الحال الثانية حل فيها العجز أو لم يحل وخلق العجز في الوقت الثاني لا يخرج القدرة أن تكون قدرة عليه إن لم يعجز فهو قادر أن يفعل في الحال الثانية وإن حل العجز فيها على شرط والشرط هو أنه قادر عليه إن لم يعجز‏.‏

وقال قائلون‏:‏ هو قادر في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية وإن عجز في الحال الثانية فالفعل واقع مع العجز وليس بعجز عنه ولم يقل هؤلاء على الشرط الذي قاله الذين حكينا قولهم قبل‏.‏

وحكى برغوث أن قوماً منهم يقولون أن الآفة إن كانت تحل في الحال الثانية كان الإنسان في الأولى عاجزاً عن الفعل في الثانية بسببه وإن كانت فيه استطاعة‏.‏

وقال عباد‏:‏ أقول أن الإنسان قادر أن يفعل في الثاني‏.‏

واختلفت المعتزلة هل الفعل واقع بالاستطاعة أم لا على مقالتين‏:‏ فقال عباد‏:‏ القدرة لا أقول أني أفعل بها أو أستعملها‏.‏

وقال أكثر المعتزلة الذين ثبتوا قدرة الإنسان غيره‏:‏ بل الفعل واقع بها‏.‏

واختلفت المعتزلة هل تستعمل القوة في الفعل أم لا على مقالتين‏:‏ فأنكر الجبائي أن تكون تستعمل في الفعل لأن الاستعمال زعم يحل في الشيء المستعمل وكان مع هذا يزعم أن الفعل واقع بها‏.‏

وأنكر عباد الاستعمال وقال كثير من المعتزلة أنها تستعمل في الفعل بمعنى أنه يعمل بها الفعل‏.‏

واختلفوا هل يوصف الإنسان بالقدرة على ما يكون في الوقت الثالث أو إنما يوصف بالقدرة على ما يكون في الثاني على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الإنسان قادر بقدرته على أن يفعل في الثاني ولا يوصف بالقدرة في حال حدوثها أنه قادر بها على ما يكون في الثالث‏.‏

وقال قائلون‏:‏ هو قادر بقدرته على الفعل في الثاني والثالث وعلى ما لا يتناهى من الأفعال أن يأتي به في أوقات لا تتناهى إن بقيت قدرته وأحال هؤلاء أن يكون ما يقدر عليه في الثالث يفعله في الثاني وما يقدر عليه في الرابع يفعله في الثالث‏.‏